بسم الله الرحمن الرحيم
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:قال النبي صلى الله عليه و سلم(الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله،و النار مثل ذلك) رواه البخاري
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لهذا الحديث من شرحه لكتاب رياض الصالحين :
قال
المؤلف رحمه الله تعالى في باب المجاهدة فيما نقله عن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال(الجنة أقرب إلى أحدكم من
شراك نعله،و النار مثل ذلك)هذا الحديث يتضمن ترغيبا و ترهيبا، يتضمن ترغيبا
في الجملة الأولى و هو قوله صلى الله عليه و سلم الجنة أقرب إلى أحدكم من
شراك نعله، و شراك النعل هو السير الذي يكون على ظهر القدم و هو قريب من
الإنسان جدا و يضرب به المثل في القرب ، و ذلك لأنه قد تكون الكلمة الواحدة
، سببا في دخول الجنة؛ فقد يتكلم الإنسان بالكلمة الواحدة من رضوان الله
عز و جل لا يظن أنها تبلغ ما بلغت ، فإذا هي توصله الى جنة النعيم.
و
مع ذلك فإن الحديث أعم من هذا؛ فإن كثرة الطاعات و اجتناب المحرمات من
أسباب دخول الجنة و هو يسير على من يسره الله عليه فأنت تجد المؤمن الذي
شرح الله صدره للإسلام يصلي براحة و طمأنينة و انشراح صدر و محبة للصلاة ، و
يزكي كذلك، و يصوم كذلك ، و يحج كذلك ، و يفعل الخير كذلك، فهو يسير عليه
سهل قريب منه ، و تجده يتجنب ما حرمه الله عليه من الأقوال و الأفعال و هو
يسير عليه.
و أما و العياذ بالله من قد ضاق بالإسلام ذرعا ، و صار الإسلام ثقيلا عليه فإنه يستثقل الطاعات ، و يستثقل اجتناب المحرمات ، و لا تصير الجنة أقرب إليه من شراك نعله.
و
كذلك النار ، و هي الجملة الثانية في الحديث و هي التي فيها التحذير، يقول
النبي عليه الصلاة و السلام( و النار مثل ذلك ) أي أقرب إلى أحدنا من شراك
نعله، فإن الإنسان ربما يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا و هي من سخط الله
فيهوي بها في الناركذا و كذا من السنين ؛و هو لا يدري و ما أكثر الكلمات
التي يتكلم بها الإنسان غير مبال بها ، و غير مهتم بمدلولها، فترديه في نار
جهنم، نسأل الله العافية
.
ألم تروا
إلى قصة المنافقين الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك
حيث كانوا يتحدثون فيما بينهم يقولون ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا
و لا أكذب ألسنا و لا أجبن عند اللقاء؛ يعنون بذلك النبي صلى الله عليه و
سلم و أصحابه ,يعني أنهم واسعوا البطون من كثرة الأكل، و ليس لهم هم إلا
الأكل، و لا أكذب ألسنا، يعني أنهم يتكلمون بالكذب، و لا أجبن عند اللقاء،
أي أنهم يخافون لقاء العدو و لا يثبتون بل يفرون و يهربون. هكذا يقول
المنافقون في الرسول صلى الله عليه و سلم و أصحابه.
و إذا تأملت و جدت
أن هذا ينطبق على المنافقين تماما لا على المؤمنين ، فالمنافقون من أشد
الناس حرصا على الحياة ، و المنافقون من أكذب الناس ألسنا ، و المنافقون من
أجبن الناس عند اللقاء. فهذا الوصف حقيقته في هؤلاء المنافقين.
و مع ذلك يقول الله عز و جل(و لإن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض و نلعب )
[سورة
التوبة . الآية:65] يعني ما كنا نقصد الكلام ، إنما هو خوض في الكلام و
لعب ، فقال الله عز و جل(قل) يعني قل يا محمد(أبالله و آياته و رسوله كنتم
تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة
بأنهم كانوا مجرمين)[سورة التوبة .الآيتان:65،66] فبين الله عز و جل أن
هؤلاء كفروا بعد إيمانهم باستهزائهم بالله و آياته و رسوله ، و لهذا يجب
على الإنسان أن يقيد منطقة و أن يحفظ لسانه حتى لا يذل فيهلك، نسأل الله
لنا و لكم الثبات على الحق و السلامة من الإثم.
__________________________________________________ ______
(1) أخرجه البخاري رقم (6488) كتاب الرقاق
(2)راجع خبرهم في:جامع البيان للطبري (6/408-410) و تفسير القرآن العظيم
لابن كثير (2/351 -،352) ،سورة التوبة الآية الخامسة و الستون و السادسة و الستون
لسماحة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
والله ولي التوفيق