توافد عشرات الآلاف من
المصريين إلى مقر الكاتدرائية المرقسية في القاهرة، من أجل إلقاء نظرة
الوداع على جثمان البابا شنودة الثالث، بطريرك الأقباط الأرثوذكس، قبل أن
يوارى جثمانه الثرى في دير الأنبا بيشوى يوم الثلاثاء المقبل 20 مارس/ آذار
الجاري. ووقعت حالات إغماء بين المحتشدين أمام الكنيسة، بسبب الزحام
الشديد، بينما أثارت وفاته الكثير من الجدل بين السلفيين حول جواز تعزية
الأقباط في وفاته، حيث حرمه البعض وأجازه البعض الآخر بشروط.
|
جثمان البابا شنودة |
صبري حسنين من القاهرة: وضعت الكنيسة فجر اليوم جثمان البابا على كرسي
البابوية، مرتدياً ملابسه البابوية كاملة، بينما أحاط به كبار الكهنة،
وتوافد الآلاف من المصريين، لإلقاء نظرة الوداع عليه، ودخل بعضهم في نوبات
بكاء شديدة، وتعرّضت بعض النسوة والفتيات لحالات إغماء، حزناً على فقدان
البابا.
وكانت سماح، وهي شابة في العشرينيات
من العمر، تقف وسط حشود ضخمة في شارع رمسيس، الذي يقع فيه مقر الكاتدرائية،
والدموع تنساب من عينيها، وقالت لـ"إيلاف": "أشعر بالحزن الشديد، أشعر كأن
والدي هو من مات، أنا اليوم صرت يتيمة". وأضافت: "كنت طوال السنوات العشر
الماضية، أواظب على حضور عظته الأسبوعية، لم أتخلف عنها إلا مرات عديدة،
كان يعرفني جيداً، وكثيراً ما كنت أحصل منه على البركة، مصر الآن كلها
حزينة".
وقدم روماني مسعود من مدينة المنيا في
الصعيد، جنوب القاهرة، وهو رجل فلاح يرتدي الجلباب والطاقية الفلاحي،
ويبلغ من العمر نحو 50 عاماً، وقال: "منذ أن علمت بوفاة البابا شنودة ليلة
أمس، وأنا غير قادر على تمالك أعصابي، أشعر بأنني سأموت حزناً عليه، كان
أباً لكل المصريين، وليس الأقباط فقط". وأضاف: "إستيقظت في الصباح الباكر
فجراً، وركبت القطار، أملاً في إلقاء نظرة الوداع عليه، وها أنا أقف وبيني
وبينه نحو 500 متر"، وتساءل: "هل تعتقد أنني سوف أودعه، أم سأعود إلى بلدتي
مرة أخرى وحزني أكبر؟"، وأردف قائلاً: "لا لن أبرح مكاني إلا بعد أن ألقي
عليه نظرة الوداع".
ترانيم
وردد الآلاف من
الأقباط المحتشدين أمام الكاتدرائية ترانيم مسيحية، وعبارات الوداع للبابا
شنودة في صوت واحد، ورفعوا لافتات كتب على بعضها: "شعبك بيحبك يا بابا"،
و"مصر كلها حزينة يا بابا"، "مع المسيح ذاك أفضل جداً"، "إحنا في خطر من
بعدك يا بابا"، وكان أحد الشباب يرفع لافتة كتب عليها "شعبك يحبك يا بابا"،
قال إنه ينتمي إلى حركة إتحاد شباب ماسبيرو.
وأَضاف لـ"إيلاف" أنه يعاني صدمة
لوفاة البابا، وتابع: "كنا نعلم أنه مريض جداً، ولكن عهدناه قادراً على
تحدي المرض وقهره، كان البابا شنودة صمام الأمان للأقباط، بل لمصر كلها،
اليوم نخشى أن نغرق في الفتنة، لن نستطيع تعويض فقدانه، نتمنى أن يكون
البابا المقبل في حكمته ومحبته".
تأجيل قضية كنيسة القديسين
رحل البابا شنودة الثالث، وهو غير
راضٍ عن التحقيقات في حادث كنيسة القديسين في الإسكندرية، الذي وقع ليلة
عيد الميلاد في 1 يناير/ كانون الثاني 2011، حيث لم يتم التوصل إلى الجناة
في الحادث الذي راح ضحيته نحو 27 قتيلاً ونحو 97 مصاباً، نتيجة تفجير عبوة
ناسفة، وتسببت وفاته في تأجيل نظر الدعوى القضائية التي أقامتها الكنيسة
ومحامون أقباط لإلزام رئيس المجلس العسكري الذي يدير شؤون مصر بإستكمال
التحقيقات في القضية، وطلب محامي الكنيسة جوزيف ملاك تأجيل الدعوى، بسبب
وفاة البابا، واستجاب القاضي لطلبه.
جدل حول تعزية الأقباط
ورغم أن المصريين
يعتريهم الحزن الشديد لفقدان البابا شنودة، صاحب المقولة الشهيرة: "مصر
وطن يعيش فينا، وليست وطناً نعيش فيه"، إلا أن وفاته أثارت الكثير من
الجدل، بين السلفيين، حول حكم تعزية الأقباط في وفاته أو الترحم عليه، حيث
أجاز بعض دعاة السلفيين تقديم العزاء للمسيحيين، ولكن من دون الترحّم عليه،
فيما أجاز آخرون تقديم العزاء والترحم عليه.
وقال الدكتور ياسر برهامي، زعيم
السلفيين في الإسكندرية، وصاحب فتوى( المسيحيون كفار)، وكان نص فتواه:
"تعزية غير المسلم ليست من الموالاة، لأن التعزية بعد الموت تختلف عن
تهنئتهم بالأعياد والطقوس الدينية، لأن التهنئة إقرار بمعصية وكفر". وأضاف:
"حكم التعزية طبقاً لابن القيم، فإنه تجوز التعزية لكونها ليست من
الموالاة، ولم ينه كتاب الله أو سنة رسول الله، أو أهل العلم عن تعزيتهم".
وأورد برهامي بعض العبارات التي يجوز
تعزية الأقباط بها، منها: "البقاء لله"، "اتقوا الله واصبروا"، "إن لله ما
أخذ وله ما أعطى وكل شيء بأجل مسمى"، وأورد برهامي في فتواه بعض العبارات
التي لا يجوز قولها من المسلم في وفاة البابا، ومنها "احتسبه عند الله"،
لأن الاحتساب طلب الأجر من الله، وتابع: "لا يجوز أن يقال المرحوم له أو
المغفور له، لأن الله تعالى نهانا أن نستغفر لغير المسلمين".
فيما أجاز الداعية السلفي محمد حسان
تعزية الأقباط، وقال في فتوى له نشرت في الصفحة الرسمية له: "يجوز تعزية
النصارى في مصابهم، فهذا من البر الذي أمرنا به الله ورسوله صلى الله عليه
وسلم، لقوله تعالى، "لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ"، بشرط عدم الترحّم، لأنه لا يجوز اعتماداً على قول الله
تعالى، "مَا كَانَ لِلنَّبِي وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا
لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ".